ليلة المعراج المباركةالحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرينفإن أحسن ال الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدصلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد --- هو الكذب لا يصلح في جد و لا هزل قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . وأعظمه إثما بالنسبة إلى الكذب على مخلوق ما هو؟ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه أعظم إثما وأشد ذنبا من الكذب على أي مخلوق ولذلك قال الإمام أبومحمد الجويني عبد الله بن يوسف رحمه اله : من كذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام كفر . فلا نقول كفر لكن نقول إنه أذنب ذنبا من أشدّ الكبائر إلا إذا كان ذلك الكذب فيه سبب من أسباب الردة فعندئذ يكون كفرا ، فمن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الله سبحانه وتعالى قول بعض الناس في أمر ليلة المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقترب من الله بالجسم والمكان ، فكان ما بين الله ورسوله محمد من المسافة كمسافة ما بين الحاجب والحاجب وهذا كذب وكفر ، كذب على اله تعالى وعلى رسوله لأن هذا فيه إثبات الجسمية والمكان لله تبارك وتعالى ، فهذا تكذيب لأصل الإسلام ، لأن أصل الإسلام هوالإيمان بالله مع تنزيهه عن مشابهة شيء من الخلق ، فالله تبارك وتعالى لا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ، ليس جسما ولا متحيّزا في مكان ، ولا يجوز عليه المكان بالمرة ، لأن الذي له مكان صار له أمثال ،فالله تبارك وتعالى لا مِثْلَ له ، لا مِثْل واحد ولا أمثال كثير ، فلوكان الله تبارك وتعالى جسما لكان له أمثال كثير ، ولوكان متحيزا في مكان كالعرش لكان له أمثال كثر لأن كل شيء من البشر والجمادات وسائر ذوي الأرواح له مكان ، فلوكان الله تعالى له مكان لكان له أمثال كثر ، وكذلك الله تبارك منزّه عن الحركة والسكون لأنه لوكان ذا حركة وسكون لكان مثلنا ، وكذلك لا يوصف الله تعالى بأنه في جميع الأماكن ، فالله تبارك وتعالى موجود بلا مكان ، أي كان قبل وجود المكان أي كان موجودا قبل وجود المكان ، فمن هنا يجب أن يُفهم معنى قول الله تبارك وتعالى : ذومرة فاستوى وهوبالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أوأدنى . هذه الآية معناها أن جبريل عليه السلام دنا إلى سيدنا محمد فتولى إليه ، هذا في الأرض كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بمكان يُقال له أجياد ، فقال له جبريل ، أطلب من ربك أن تراني في صورتي الأصلية فطلب الرسول فظهر له من المشرق فسدّ ما بين المشرق والمغرب ، فصُعِقَ رسول الله أي غُشِيَ عليه ، ثم أخذه جبريل وقد تحول إلى الصورة البشرية فضمه إليه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحدا على مثل هذه الصورة ، فقال جبريل : إن الله خلقني على ستمئمة جناح وما نشرت منها إلا جناحين وإن الله خلق إسرافيل على ستمئة جناح الجناح الواحد منها مثل كل أجنحتي . وورد في الحديث الصحيح أن جبريل عليه السلام خُلِقَ على ستمئة جناح يتناثر منها تهاويل الدرِّ والياقوت ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كان يراه قبل هذه المرة إلا بصورة إنسان أويسمع صوته من غير أن يرى له صورة ثم رآه ليلة المعراج أيضا على تلك الصورة عند سدرة المنتهى التي هي فوق السماء السابعة ، فلم يحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك المرة ما حصل له في المرة الأولى في الأرض من الغشي ، ومعنى قوله تعالى : ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أوأدنى . أن جبريل إقترب من محمد صلى الله عليه وسلم بمقدار ذراعين بل أقرب ، هذا معنى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى . ليس ما يفتريه بعض الناس أن الله تبارك وتعالى دنا بذاته من محمد فكان بين محمد وبين الله كما بين الحاجب والحاجب ولا بقدر ذراعين ، لأن إثبات المسافة لله تعالى لا يجوز لأن المسافة للمخلوق ، وأن الخالق موجود بلا كيف ولا مكان لا يكون بينه وبين خلقه مسافة ، فالعرش الذي هوأعلى المخلوقات والفرش الذي هومنتهى المخلوقات في الجهة السفلى على حد سواء بالنسبة إلى ذات الله ، فلا يجوز اعتقاد القرب المكاني الذي هوقرب المسافة في حق الله تعالى وإنما يمتاز العرش وما يليه من السموات في حق الله تعالى وإنما يمتاز العرش وما يليه من السموات بكونه مسكن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم وبفضائل أخرى ، أما بالنسبة إلى ذات الله ، فليس العرش قريبا من الله بالمسافة قربا يجعله بعيدا عن الفرش أي أسفل العالم . فمن قال ذلك القول المكذوب أن الله تبارك وتعالى إقترب من الرسول كقرب الحاجب من الحاجب فهوخارج من دين الإسلام وهولا يدري . فيجب نفي ذلك الكذب وتبيين أنه كذب ، يكن لمن بين ذلك ثواب عند الله لأنه نفى كذبا عن الله ورسوله ومعنى قوله تعالى دنا فتدلى فكان قاب قوسين أوأدنى هو دنو جبريل من محمد ، أما من فسر هذا الدنو بدنو الله من محمد لكن بلا مسافة ولا مكان بل قال دنو معنوي فليس ضرر أوكفر. هذا التفسير الثاني ثم دنا إي الله من محمد فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى يروى عن جعفر الصادق و عن بعض العلماء و لكنهم لم يقصدوا الدنو المكاني و الحسي و الحركة و الإنتقال ، إنما قصدوا الدنو المعنوي. الذي يقصد الدنو المكاني أو الدنو الحسي فهو ضال من الضالين كاذب على الله و رسوله . ( الذي يعتقد أن الله دنا من محمد كقاب قوسين أو أدنى ( أقرب ) من حيث المعنى لا من حيث المسافة ، ليس بالحركة و النزول ، بل بالمعنى بالإكرام و رفع القدر و إعلاء الشأن و المرتبة فليس فيه ضلال و لا كفر ) . إنما الكفر والضلال الذي يعتقد أن الله تحرك من علو ونزل إلى محمد حتى صار ما بينهما قدر ذراعين بل أقرب هذا الكفر والضلال . الذي رُوِيَ عن جعفر الصادق أن الله دنا من محمد حتى صار ما بينهما قدر ذراعين أوأقرب من حيث المعنى بالإكرام ، فنحن لا نترك ذلك التفصيل الصحيح الذي قالته عائشة وعبد الله بن مسعود صاحب رسول الله وغيرهما أن قوله تعالى ثم دنا أي جبريل من محمد فتدلى إليه فكان قاب قوسين أي قدر ذراعين بل أدنى ، نحن على هذا لأن الذي يروى عن جعفر ما ثبت . الإعتقاد الصحيح هوأن يعتقد الإنسان أن الله تبارك وتعالى أقرب إلى العبد من حبل الوريد أي من العنق ، من العرق الذي في عنق الإنسان الذي هوعرق يجري فيه النفس ، الله أقرب من هذا إلى عبده قربا معنويا ليس قربا حسيا لأن الله لا يجوز عليه أن يكون قريبا من شيء أوبعيداومن شيء بالمسافة . بل أقرب بالكرامة ورفعة المنزلة وعلوالشأن هذا لأنبيائه وملائكته وأوليائه . وقرب من الله إلى خلقه بالإحاطة بالعلم . كقوله تعالى : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد . أي من هذا العرق الذي هوبين الجلد واللحم في عنق الإنسان ، هذا قرب من حيث العلم أي أنه لا يخفى علي شيء من أموركم أنا محيط بكم علما . ثم أنه مما سمعه سيدنا محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج عندما أسمعه الله كلامه الذي لا يشبه كلام العالمين ، أزال الحجاب المانع للخلق من سمع كلام الله الأزلي . وهي أن الله تبارك وتعالى فرض على أمته خمس صلوات في اليوم والليلة ، وأنه يغفر لأمته المقحمات أي الكبائر من الذنوب لمن لا يشرك بالله ، أي لمن تجنّب الكفر ، من تجنّب الكفر من أمة محمد يغفر الله له ما شاء من الكبائر هذا من جملة ما فهمه الرسول تلك الليلة حين وصل إلى المسافة التي انتهى سيره إليها . وأما حوار التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله فقال الله له السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهوكذب لا أصل له والتحيات المباركات هي في الصلاة فقط . وكذلك الرسول سمع صوت أبي بكر في السماء السابعة حتى يستأنس به فهذا كذب مفترى لم يرد في حديث مسند قط . فالذي يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي بكر وهوفي السماء فهذا غلط فقط ليس فيه كفر ، وذلك بأن يعتقد هؤلاء الذين يقولون هذا أن أبا بكر صعد بروحه وجسمه إلى هناك فتكلم كي يؤنس رسول الله ، أوالله تعالى أسمعه صوت أبي بكر وأبوبكر في الأرض وهذا أيضا لا يقال لمن اعتقده أنه كَفَرَ . أما الضرر الكبير هوالذي يعتقد أن الله تكلم بصوت أبي بكر ليأنس سيدنا محمد هذا كُفْر لأن الله تبارك وتعالى لوكان يتكلم بذاته بصوت أحد من خلقه لكان مثل خلقِه. وهوتبارك وتعالى ليس له مشابه ، من اعتقد أن الله تعالى تكلم ليأنس رسول الله بصوت أبي بكر هذا كافر ، لأن الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه ، لا يشبه كلامه كلام خلقه ، ولا علمه علم خلقه ولا قدرته قدرة خلقه ولا سمعه سمع خلقه ولا رؤيته رؤية غيره ، يرى لا كما نرى ويسمع لا كما نسمع ويتكلم لا كما نتكلم ، والله تبارك وتعالى لا مماثل له في ذاته ولا في صفاته من كلامه وسمعه وبصره وقدرته وارادته وغير ذلك من صفاته، لا يشبه غيره في صفاته . فالذي يقول أن الرسول سمع الله يتكلم بصوت أبي بكر فاستأنس فليعلم أن هذا كفر ، وليرجع عن ذلك بالشهادتين بنطقهما . والله اعلم
|
||||||||||